
المرتزقة السوريون في أوكرانيا
الملخص التنفيذي
مع اندلاعِ الحربِ في أوكرانيا، جرى تجنيدُ مئاتِ السوريين، معظمُهم من وحداتٍ عسكريةٍ مدعومةٍ من روسيا تتبعُ نظامَ الأسدِ، للقتالِ إلى جانبِ القواتِ الروسية في أوكرانيا. غير أنَّ هذا التقريرَ يكشف عن نمطِ تجنيدٍ جديدٍ ظهر منذ أواخرِ عامِ 2023، حيث جرى استقطابُ مجموعاتٍ صغيرةٍ من الرجالِ السوريين لا ينتمونَ إلى وحداتٍ قتاليةٍ منظمةٍ، ولا يتمتعونَ باللياقةِ البدنيةِ اللازمةِ للقتال. ويكشف التقريرُ ثلاثَ شخصياتٍ رئيسيةٍ تورطتْ في هذه العملياتِ:
- بولينا أزارنيخ: سيدةٌ روسيةٌ انتقلتْ من العملِ في مجالِ التعليمِ الدولي إلى تجنيدِ المرتزقةِ الأجانبِ خلالَ حربِ أوكرانيا. استخدمت منصتي "فيسبوك" و"تلغرام" للترويجِ لعقودِ عملٍ مع وزارةِ الدفاعِ الروسية، مقابلَ رواتبَ مرتفعةٍ، وجوازاتِ سفرٍ، ومنحِ الجنسيةِ الروسيةِ. وأظهرت منشوراتُها أنها سهّلت تجنيدَ مقاتلينَ أجانبَ للقتالِ في أوكرانيا، لا سيما من دولٍ عربيةٍ مثل سوريا ومصر والجزائر والمغرب والعراق واليمن، بالإضافةِ إلى دولٍ أخرى مثل طاجيكستان، والكاميرون، وجمهوريةِ الكونغو الديمقراطية، ومالي، ونيجيريا. واستمرت أزارنيخ أنشطتها في تجنيدِ المقاتلين حتى تاريخِ إعدادِ هذا التقرير.
- أكرم ديب طراف: رجلُ أعمالٍ سوريٌّ مقيمٌ في روسيا، تربطُه صلاتٌ عائليةٌ بالنظامِ السوريِّ السابق. اضطلعَ بدورِ الميسِّرِ والمترجمِ للمجندينَ السوريين فورَ وصولِهم إلى روسيا في أواخرِ عامِ 2023 ومطلعِ عامِ 2024.
- وسيم الدمشقي: شخصيةٌ معروفةٌ في جنوبِ سوريا تعمل كوسيطٍ في عملياتِ التجنيد. أشرفَ على تجنيدِ ما لا يقلُّ عن ثلاثِ مجموعاتٍ بين كانون الأول/ديسمبر 2023 وشباط/فبراير 2024. وتشيرُ تقاريرُ إلى أنه اعتُقلَ في آذار/مارس 2024 بتهمةِ تزويرِ وثائقَ سفرٍ، في ما قد يُشيرُ إلى وقوعِه في خلافٍ مع أجهزةِ أمنِ النظام.
بعد التحقيق في أنشطة هؤلاء الوسطاء، وإجراء مقابلاتٍ مع مجندين اثنين، ومراجعة تقارير من مصادر مفتوحة، خلص فريقُ البحث إلى وجود اتجاهين رئيسيين في تجنيد السوريين للقتال في أوكرانيا منذ أواخر عام 2023:
- الدافع المالي هو العامل الحاسم في قرار الانخراط: إذ يلجأ الوسطاء إلى إغراء المجندين بوعودٍ برواتب مرتفعة، مستغلين حالة الانهيار الاقتصادي في سوريا والافتقار إلى بدائل معيشية مجدية. 1
- خديعة بعض المجندين واستغلالهم ماليًا من قِبل وسطاء: فقد أفادت التقارير أن أكرم ديب طراف ووسيم الدمشقي أوهموا بعض المجندين بأن مهامهم ستقتصر على حراسة مناجم أو أداء وظائف غير قتالية داخل روسيا، قبل أن يُزج بهم لاحقًا في جبهات القتال. كما استغل هؤلاء الوسطاء موقعهم لابتزاز المجندين ماليًا. في المقابل، تميزت بولينا أزارنيخ بقدرٍ أوضح من الشفافية، حيث أخبرت المجندين صراحةً أنهم ذاهبون للمشاركة في القتال في أوكرانيا، ونصحتهم بعدم دفع أي مبالغ مالية لوسطاء آخرين.
ورصدَ فريقُ البحثِ اتجاهينِ إضافيينِ في تجنيدِ بولينا أزارنيخ للمقاتلينَ الأجانبَ:
- ارتفاعٌ تدريجيٌّ في التعويضاتِ الماليةِ المعلنةِ بمرورِ الوقت: وهو ما قد يُشيرُ إلى تزايدِ الطلبِ الروسيِّ على المقاتلينَ الأجانبِ أو إلى تناقصِ المعروضِ منهم مع استمرارِ الحربِ في أوكرانيا. فعلى سبيل المثال، بلغ البدلُ التوقيعيُّ في آب/أغسطس 2023 نحو 3160 دولارًا أمريكيًا، مع راتبٍ أساسيٍّ يبدأُ من 2050 دولارًا. وفي أحدثِ الإعلاناتِ المنشورةِ في كانون الثاني/يناير 2025، تراوحت المكافآتُ التوقيعيةُ بين 8000 و30000 دولارٍ، فيما بدأ الراتبُ الأساسيُّ من 2500 دولارٍ. 2
- تساهلٌ ملحوظٌ في معاييرِ قبولِ المجندين: إذ شملت الإعلاناتُ قبولَ رجالٍ في منتصفِ العمرِ، وطلابٍ أجانبَ معدمين، ومهاجرين، وأفرادٍ لديهم سوابقُ جنائيةٌ أو قضايا قضائيةٌ معلقة. وفي إحدى منشوراتِها، أشارت أزارنيخ إلى أنَّ فترةَ التدريبِ للمجندينَ الجدد لن تتجاوزَ 27 يومًا قبل نشرِهم إلى أوكرانيا. كما أشارَ أحدُ المجندينَ السوريينَ الذين أُجريت معهم مقابلاتٌ إلى وجودِ رجالٍ مرضى ومتوسطي العمرِ ضمن مجموعتِه. وأظهرتْ مقاطعُ مصورةٌ، التُقطت بواسطة أكرم ديب طراف، وجودَ رجالٍ متوسطي العمرِ ضمن المجندينَ السوريين.
اتساع نطاق جهود التجنيد عبر الوسطاء
منذ خريف عام 2023، كشفت تقاريرٌ إعلاميةٌ متواترةٌ عن انخراطِ موسكو في عملياتِ تجنيدٍ لرجالٍ من جنسياتٍ متعددةٍ للقتالِ في أوكرانيا، من بينهم هنودٌ، نيباليون، يمنيون، مصريون، وكوبيون. وقد لعبت شركاتٌ وأفرادٌ روس، إلى جانب جهاتٍ محليةٍ في البلدان المستهدفة، دورًا محوريًا كوسطاءَ في هذه العمليات.
وتُظهر الحالاتُ التي تناولها هذا التقريرُ نمطًا متقاطعًا مع تجاربٍ موثقةٍ في تقاريرَ أخرى. فالانتقالُ المهنيُّ لبولينا أزارنيخ من قطاعِ التعليمِ الدولي إلى تجنيدِ المرتزقة، يحاكي مسارَ وكيلِ سفرٍ روسيٍّ كشفت عنه مجلة تايم، كان مسؤولًا عن استدراجِ رجالٍ كوبيين إلى ساحةِ القتال. كذلك، فإن الأسلوبَ الذي اعتمده كلٌّ من أكرم ديب طراف ووسيم الدمشقي، من خلال إيهامِ المجندينَ بمهامٍّ مدنيةٍ لحراسةِ منشآتٍ في روسيا قبلَ تحويلِهم إلى الخدمةِ العسكرية، يتطابق مع حالاتٍ مماثلةٍ وثقتها تقاريرُ عن مجندينَ يمنيين.
وعليه، يُستدلُّ من النماذج المعروضة في هذا التقرير على أنَّ الوسطاءَ المذكورين هم جزءٌ من منظومةٍ روسيةٍ أوسعَ تُوظفُ وسطاءَ محليين لاستقطابِ مجندينَ من دولِ العالمِ النامي. ففي مثالٍ لافت، أعلنت وكالةُ التحقيقاتِ المركزيةِ الهندية في أيار/مايو 2024 عن تفكيكِ شبكةٍ واسعةِ النطاق للاتجارِ بالبشرِ، كانت تُغررُ بالشبابِ عبرَ وعودٍ بوظائفَ مجزيةٍ في الخارج، قبل أن يُنقلوا "رغمًا عن إرادتهم" إلى أوكرانيا. 3
وبحسب مصادرَ أمنيةٍ أوكرانية تحدثت إلى مجلة فوربس في الشهر نفسه، فإن روسيا كانت تجندُ مقاتلين من 21 دولةً على الأقل.
مستقبل تجنيد السوريين في حرب أوكرانيا
هل يعني سقوطُ نظامِ الأسد نهايةَ تجنيدِ السوريينَ للقتالِ في أوكرانيا؟ لا يُرجّح معدّو هذا التقرير أن يكونَ ذلك هو المصير بالضرورة. فمن جهة، من غير المتوقع أن تُقدمَ الإدارةُ السوريةُ الجديدة على السماحِ رسميًا بتجنيدِ مرتزقةٍ سوريين، نظرًا لتناقضِ ذلك مع مساعيها نحو كسبِ الاعترافِ الدولي ورفعِ العقوباتِ الغربية.
لكن من جهةٍ أخرى، لا تزال بعضُ الفصائلِ المسلحةِ السابقة خارجَ نطاقِ سيطرةِ الدولة، وعلى رأسها لواء أحمد العودة في درعا، المعروف بعلاقاتِه الوثيقة مع موسكو. وقد تتمكنُ هذه الجهات، نظريًا، من مواصلةِ تزويدِ روسيا بمقاتلينَ سوريين، خاصةً في ظلّ استمرارِ السيطرةِ الروسية على قاعدةِ حميميم الجوية، التي كانت في السابق نقطةَ انطلاقٍ رئيسيةٍ للمجندين.
لمطالعة التقرير كاملا (باللغة الانجليزية)، اضغط هنا.
……………………………….
- تشيرُ هذه النتائج إلى أنَّ العاملَ الماليَّ كان حافزًا رئيسيًا أيضًا بالنسبةِ للسوريينَ الذين جُنِّدوا في المراحلِ الأولى من حربِ أوكرانيا.
- تمَّ احتسابُ القيمِ بالدولارِ الأمريكيِّ استنادًا إلى سعرِ صرفِ الروبلِ مقابلَ الدولارِ الأمريكيِّ في تاريخِ الإعلانِ.
- مكتبُ التحقيقاتِ المركزيُّ (الهند)، "مكتبُ التحقيقاتِ المركزيُّ يعتقلُ أربعةَ متهمينَ في قضيةٍ تتعلقُ بتهريبِ مواطنينَ هنودٍ لدورٍ قتاليٍّ في الجيشِ الروسيِّ"، منشورٌ عبرَ منصةِ X/Twitter، بتاريخ 8 أيار/مايو 2024. نسخةٌ مؤرشفةٌ محفوظةٌ.